طالبان تحت المساءلة.. تحذير أممي من قمع الحركة للنساء في أفغانستان
طالبان تحت المساءلة.. تحذير أممي من قمع الحركة للنساء في أفغانستان
اعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم أن القرار القضائي الصادر بحق قادة حركة طالبان يمثل محطة مفصلية في مسار الاعتراف الدولي بمعاناة النساء والفتيات في أفغانستان، مؤكدة أنه قرار جوهري أعاد الاعتبار لأصوات طالما جرى إسكاتها، وكشف بشكل لا لبس فيه الطبيعة المنهجية لانتهاكات الحركة للقوانين الدولية، تصريحات السالم حملت بعدا قانونيا وإنسانيا عميقا، ووضعت ما تتعرض له النساء الأفغانيات في إطار جريمة متعمدة وليست مجرد نتائج عارضة لسياسات مؤقتة.
وأوضحت المسؤولة الأممية في تصريحات أوردتها شبكة "أفغانستان إنترناشيونال" اليوم السبت، أن أهمية القرار تكمن في كونه يثبت أن قمع النساء والفتيات في أفغانستان ليس نتيجة جانبية لظروف أمنية أو اجتماعية، بل هو سياسة مقصودة تهدف إلى إقصائهن الكامل من الحياة العامة، وقالت إن ما فرضته طالبان منذ عودتها إلى السلطة يمثل نظاماً متكاملاً صُمم بعناية لعزل النساء وتجريدهن من أبسط حقوقهن الإنسانية، من التعليم والعمل إلى حرية الحركة واتخاذ القرار.
وأضافت السالم أن هذا الاستنتاج يغير جذرياً طريقة التعاطي مع ملف أفغانستان، لأنه ينقل النقاش من مستوى الإدانة الأخلاقية إلى مستوى المساءلة القانونية، ويؤسس لإمكانية ملاحقة هذه الممارسات بوصفها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
تجاوز الخطوط الحمراء
أكدت مقررة الأمم المتحدة أن بعض أشكال التمييز التي فرضتها حركة طالبان تمس مبادئ أساسية لا يجوز لأي سلطة حاكمة، بغض النظر عن سياقها الثقافي أو الديني، أن تتجاوزها، واعتبرت أن القرار القضائي اكتسب قوة إضافية من اعتماده على مفاهيم مجرمة دوليا، ما يعني أن القضاة لم يكتفوا بوصف الانتهاكات، بل صنفوها ضمن أفعال قابلة للملاحقة القانونية.
وأشارت إلى أن هذا التصنيف يفتح الباب أمام تحرك دولي أكثر صرامة، ويمنح الضحايا سنداً قانونياً يعزز مطالبهن بالعدالة، بعد سنوات من التعامل مع قضيتهن بوصفها شأناً داخلياً أو مسألة ثقافية خاصة.
إقصاء اقتصادي واجتماعي
تطرقت السالم إلى القيود الواسعة التي فرضتها طالبان على عمل النساء، موضحة أن هذه القيود لم تحرمهن فقط من مصدر رزق، بل أخرجتهن عملياً من الاقتصاد ومن أي قدرة على اتخاذ القرار بشأن مستقبلهن، وقالت إن حرمان النساء من العمل والتعليم ليس إجراء منفصلا، بل جزء من منظومة تهدف إلى إعادة النساء إلى دائرة التبعية الكاملة للآباء أو الإخوة أو الأزواج.
وأضافت أن هذا الإقصاء المتعمد يحول النساء إلى كائنات غير مرئية في المجال العام، ويقوض أي إمكانية لمشاركتهن في بناء المجتمع أو المساهمة في تعافي البلاد اقتصادياً واجتماعياً.
وأكدت المسؤولة الأممية أن إغلاق أبواب التعليم أمام الفتيات، خاصة في المراحل الثانوية والجامعية، يشكل حجر الأساس في سياسة طالبان تجاه النساء، مشددة على أن حرمان جيل كامل من التعليم لا يعني فقط تقييد الحاضر، بل تدمير المستقبل، وخلق فجوة معرفية واجتماعية ستستمر آثارها لعقود، واعتبرت أن هذا الإجراء يهدف إلى ضمان استمرار الهيمنة، عبر منع النساء من امتلاك أدوات الوعي والاستقلال.
الصحة تحت القيود
لفتت ريم السالم إلى أن القيود التي فرضتها طالبان امتدت إلى قطاع الرعاية الصحية في أفغانستان، ما جعل حتى عمليات الولادة أكثر صعوبة وخطورة على النساء، وأوضحت أن فرض قيود على حركة النساء ومنعهن من الوصول إلى خدمات طبية ملائمة أو التعامل مع كوادر صحية مدربة أدى إلى تعريض حياة الأمهات والمواليد للخطر.
وحذرت من أن تطبيع هذا الواقع يمثل خطراً بالغاً، لأن القبول به يعني عملياً الإقرار بنظام تمييزي لا رجعة عنه، ويغلق الباب أمام أي إمكانية لإصلاح مستقبلي.
وأكدت المقررة الأممية أن قمع النساء والفتيات في أفغانستان لم يقتصر على انتهاك الحقوق القانونية، بل خلف تداعيات جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية خطيرة. وأشارت إلى أن تقارير عدة وثقت حالات إيذاء النفس والانتحار بين النساء، نتيجة الشعور بالعجز واليأس وفقدان الأفق.
وأضافت أن هذه النتائج لا يمكن فصلها عن السياسات المفروضة، لأن العنف البنيوي الذي تمارسه طالبان يولد صدمات نفسية جماعية، ويقوض النسيج الاجتماعي، ويحول المجتمع بأكمله إلى بيئة خانقة للنساء والفتيات.
توصيف قانوني أخطر
في واحدة من أكثر نقاط تصريحها حساسية، أشارت السالم إلى أن مفاهيم قانونية مثل الإبادة على أساس الجنس يمكن أن تكون محل نظر في التحليل القانوني لوضع النساء في أفغانستان، وأوضحت أن طالبان تستهدف فئة كاملة من السكان فقط لكونها نساء، عبر سياسات تهدف إلى محو حضورهن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
هذا الطرح، بحسب مراقبين، يرفع مستوى النقاش القانوني إلى درجة غير مسبوقة، لأنه يضع ممارسات طالبان في خانة الجرائم الكبرى التي لا تسقط بالتقادم، وتستوجب تحركاً دولياً يتجاوز الإدانات اللفظية.
وشددت ريم السالم على أن القرار القضائي الصادر بحق قادة طالبان في أفغانستان ينبغي ألا يبقى وثيقة رمزية تضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة. ودعت المجتمع الدولي إلى استخدامه أداة عملية لمنع تطبيع قمع النساء في أفغانستان، سواء عبر الضغط السياسي أو الاقتصادي أو من خلال آليات المساءلة القانونية.
وأكدت أن أي محاولة للتعامل مع طالبان بوصفها سلطة طبيعية دون ربط ذلك بتحسين أوضاع النساء، تمثل خيانة لمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، وتبعث برسالة خطيرة مفادها أن اضطهاد نصف المجتمع يمكن التغاضي عنه.
صراع بين الواقعية والمبادئ
تصريحات السالم جاءت في وقت تتزايد فيه الدعوات داخل بعض الأوساط الدولية للتعامل البراغماتي مع طالبان، بدعوى الاستقرار أو المساعدات الإنسانية، غير أن المقررة الأممية حذرت من أن هذا النهج، إذا لم يقترن بشروط واضحة تتعلق بحقوق النساء، سيؤدي إلى شرعنة نظام قمعي، ويقوض أي فرصة لتحقيق تغيير حقيقي.
منذ سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان في أغسطس 2021، فرضت الحركة سلسلة من القيود الصارمة على النساء والفتيات، شملت منع التعليم بعد مراحل معينة، وحظر العمل في معظم القطاعات، وفرض قيود على الحركة واللباس، إضافة إلى تقييد الوصول إلى الخدمات الصحية، وهذه السياسات أثارت إدانات واسعة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، لكنها قوبلت حتى الآن بتحركات دولية محدودة.
القرار القضائي الذي أشارت إليه ريم السالم يأتي في سياق جهود متزايدة لإعادة توصيف ما يجري في أفغانستان من منظور قانوني دولي، وليس فقط إنساني، ويعد هذا التحول خطوة مهمة نحو تحميل قادة طالبان مسؤولية أفعالهم، ومنح النساء الأفغانيات سنداً قانونياً في نضالهن الطويل من أجل الكرامة والعدالة.











